مرت السنون سريعا على بني اسرائيل والله تعالى يبعث فيهم النبي تلو النبي ليرشدهم الى طريق الحق والى الخير. ولكنهم عصوا الله تعالى فعاقبهم الله بأن هزمهم اعدائهم من العمالقة. واستولوا على تابوت بني اسرائيل وفيه عصا موسى وملابسه , وبعض ما تبقى من هارون وآله .
وعلى باب الخيمة التى يعبد فيها الله وقف الكاهن (عالى) وأولاده يسرقون أموال الفقراء , ورتكبون الفاحشة , ويغازلون الفتيات القادات للاستغفار حتى تحول مكان العباده الى مكان يعصى فيه الله تعالى .
وكان بنو اسرائيل قد أشركوا بالله, فعبدوا آلهة أخرى مثل (بلاعيم) و(عشتاروت) وهي أصنام لا تنفع ولا تضر.
ولم يكن في بني اسرائيل الا مؤمن واحد هو(شمويل) ذلك الفتى الذي ينتهي نسبه الى الأنبياء.
وذات ليلة وكان شمويل نائما بجوار الكاهن (عالى) يناديه : شمويل ... شمويل.
فقال شمويل: نعم يا أبتاه, هل تناديني؟
فقال عالى : يا بني , لم أناديك , فارجع الى نومك .
وعاد الصوت يناديه مرة أخرى : شمويل... شمويل.
فهب من نومه فزعا وقال نعم يا أبتاه.. هل تناديني؟
فقال عالى : ان ناديتك في الثالثة فلا ترد علي.
وعاد الصوت ثالثة ينادي شمويل, فاذا به يرى جبريل "عليه السلام" , فأوحى اليه انه قد سار نبيا الى بني اسرائيل , وعليه الأن أن يبلغهم كلام الله .
وفي الصباح قال الكاهن (عالى) لشمويل: ماذا حدث ليلة أمس؟
قال : بعثني الله رسولا اليكم وأوحى الي أنه غضبان عليك وعلى أولادك وسوف يهلككم بذنوبكم.
خرج شمويل داعيا قومه الى عبادة الله , وترك المعاصي , والتوبة مما يفعلون , فكانوا يحبونه ويسمعون له .
لكنهم ظلوا على معصيتهم ولم يتب منهم أحد الى قليلا وظل شمويل فيهم يدعوهم .
ويقرأ عليهم التوراة , ويبلغهم ما أنزله الله اليه , ولكن اليهود أحبوا الدنيا , ونسوا الآخرة , وما آمن معه الا قليل .
ولا زالت الحروب بين اليهود وبين العماليق مستمرة , وكان الانتصار دائما لليهود , حتى كانت معركة كبرى استعد لها اليهود جيدا, وكذللك استعد (العماليق) حتى نشبت الحرب.
ودارت المعركة بين الفريقين , ولما انتهت المعركة كان الانتصار للعماليق على بني اسرائيل , فحزن نبي الله شمويل لذلك حزنا كبيرا , وزادت أحزان اليهود.
وبعهد هذه المعركة جلس رؤساء اليهود يتشاورون في أمر هذه الهزيمة وتوصلوا في نهاية الأمر أن السبب في ذلك أنهم تركوأ(التابوت المبارك) ولم يأخذوه معهم , فقد كانوا يضعون التابوت أمامهم , فيؤيدهم الله بنصره .
فقرروا أن ياخذوا التابوت معهم في المعركة القادمة حتى يتحمس الجنود فيدخلوا الى المعركة ويقاتلوا الأعداء قتالا شديدا فينتصروا على أعدائهم .
وجاء اليهود بالتابوت من المعبد , فزاد حماس الجنود .
حتى خرج شباب بني اسرائيل جميعا لحرب العماليق مرة أخرى , فالنصر سيكون حليفهم لأن التابوت معهم .
ودارت معركة أخرى بين اليهود وبين العماليق , وحميت المعركة , وزاد حماس اليهود حتى اقتربوا من تحقيق النصر , وتراجعت جيوش العماليق , وظن اليهود أنهم قد انتصروا .
ولكن قام قائد العماليق وهو يرى جيشه سيهزم فنادى في جنوده قائلا :
أيها الرجال , لقد جاء اليهود بالههم لكي يقاتلوكم , فاذا هزموكم فانكم ستصبحون عبيدا لهم , وسيدخلون بلادكم فهبوا للقتال وحاربوا أعداءكم .
وأشعلت هذه الكلمات نار الحماسة في نفوس العماليق , فعاد جنودهم يقاتلون كالأسود ورأى شباب اليهود أعداءهم قد هجموا عليهم , فتراجعوا , وزاد العماليق من هجومهم حتى استطاعوا تفريق جيش اليهود فانقلبت الهزيمة نصرا.
وراح العماليق يقتلون في اليهود حتى قتلوا عددا كبيرا منهم , وأسروا عددا أكبر , وبقي عدد من جنود اليهود لم يقتل .
ولم يستطيعوا القتال ففروا من المعركة فرار الفئران , وتركوا التابوت المبارك فأخذه العماليق غنيمة من أعدائهم.
وعاد احد الهاربين من المعركة الى بني اسرائيل في مدينتهم , فرآه الناس قد تمزقت ثيابه , واسود وجهه , فقالوا له : ماذاحدث؟ فصرخ : انها الهزيمة .
فصاح الرجال والنساء في المدينة حتى خرج بنو اسرائيل ليروا ماذا حدث , وخرج الكاهن (عالى) وهو يقول :
ماذا حدث؟
ماذا جرى؟ فأجلسه على كرسيه .
فقال الرجل : لقد هزمنا العماليق هزيمة كبيرة .
فقال عالى : وماذا فعل جنودنا ؟
قال : انهم ما بين قتيل وأسير.
قال : وماذا فعل أبنائي ؟
قال : قتلوا جميعا.
فقال : والتابوت ؟ قال تركناه فأخذه الأعداء .
وظهر الحزن على وجه (عالى) ثم عاد بكرسيه الى الوراء وهو يتنفس بصعوبة شديدة ثم سقط من فوق كرسيه على الأرض .
فمات حزنا على ما حدث لقومه وأولاده , وهكذا انزل الله عاقبة على عالي وأولاده , كما أخبر جبريل نبي الله شمويل من ذي قبل .
سنوات طويلة مرت بعد هزيمة بني اسرائيل وضياع التابوت من بين ايديهم , ولم يكف شمويل عن دعوتهم الى الله .
وأمرهم بالتوبة , ثم جمعهم في المعبد ذات مرة , فقال لهم :
- يا قوم , توبوا الى الله واتركوا عبادة (البلاعيم , والعشتاروت) فانها حجارة لا تنفع ولا تضر , اعبدوا الله فهو واحد في الأرض , واحد في السماء , ينصركم على أعدائكم , ويعيد لكم التابوت .
فقالوا : اذن نتوب الى الله , ونترك الأصنام , فماذا نفعل أيضا ؟
فأمرهم بالصلاة , والصيام حتى يرضى عنهم الله تبارك وتعالى , وتتطهر نفوسهم من المعاصي والسيئات وتاب اليهود عن ذنوبهم , وعبدوا الله وحده لا شريك له .
وبدأت المعارك مرة أخرى بين اليهود والعماليق فكانت الحرب سجالا بين الفريقين , أى ينتصر فريق على الآخر مرة وينتصر الفريق الآخر مرة أخرى , فلما أخلص اليهود وتابو , نصرهم الله على أعدائهم .
لكن لا زال التابوت هناك عند العماليق , كان العماليق قد وضعوه تحت صنم لهم , فلما استيقظوا في الصباح وجدوا التابوت فوق الصنم , فاعادوه موة أخرى.
وفي اليوم التالي تكرر المشهد مرة أخرى , فقد وجدوا التابوت فوق الصنم .
وهكذا تكررت هذه الحادثة فعلموا أن هذا من امر الله , فأخذوا التابوت بعيدا عن الصنم ووضعوه في قرية اخرى , فانتشر فيهم مرض لعين , فأخذوا التابوت بعيدا عن بلادهم .
أما اليهود , فانهم ظلوا على عبادتهم لله , ومرت أيام , وشهور , وسنوات حتى كبر (شمويل) وصار شيخا كبيرا , فاجتمع شيوخهم ورؤساؤهم ثم ذهبوا الى شمويل فقالوا له :
- لقد أصبحت شيخا كبيرا يا نبي الله , فقد جئناك لتدعوا الله لنا حتى يجعل علينا ملكا يكون حاكما علينا , وقائدا لنا في حروبنا .
فقال شمويل : ملك !! ان الله تعالى سيحفظكم بعد موتي , ويبعث فيكم الأنبياء , والله خير الحافظين .
فقالوا : اننا نعلم أن الله لن يضيعنا , ولكننا نريد ملكا يقودنا , ونلتف حوله .
فرد عليهم شمويل فقال : ان الملك سيجعلكم عبيدا له , سيكون اولادكم خدم في قصره , وسيظلمكم حتى تدعوت الله ليخلصكم منه ، ولن يستجيب الله لكم .
فقالوا : اننا نقبل هذا كله .
لقد كانوا دائما يختارون أصعب الأمور ويسيرون عليها رغم ان الله تعالى يسر عليهم ولكنهم قوم عناد وسوء .
فقالوا : اننا نريد ملكا يجمع كلمتنا , ويقودنا للقتال حتى لو أذلنا وجعلنا عبيدا له .
فقال شمويل ولكن هل لو كتب الله تعالى عليكم القتال وجعله أمر ستقاتلون ؟
قالوا : نعم سنقاتل , ولماذا لا نقاتل في سبيل الله , وقد أخرجنا من ديارنا , وأبناؤنا عبيد للعماليق ؟
فلما رأى شمويل أنهم قد صمموا على هذا جلس يدعو الله في ضراعه , فأوحى الله تعالى اليه أنه قد استجاب له ولقومه , وأمره أن يبلغهم ما أوحى به اليهم .
فخرج شمويل الى بني اسرائيل , وهم في انتظاره ليعلموا اسم الملك الذي اختاره الله .
فقال شمويل : ان الله قد استجاب لدعائنا , وبعث عليكم ملكا .
فقالوأ : من هو يا شمويل ؟ فقال : انه (طالوت).
فخرجت الأصوات من بني اسرائيل يرفضون أمر الله تعالى , ويعترضون على (طالوت) لأنه كان يعمل (سقاءاً) وكان فقيرا , وليس عنده مال كثير .
فقالوا : كيف يكون الملك له علينا , ونحن أحق بالملك منه .
فقال شمويل : ان الله قد اختاره عليكم , وزاده سعة في العلم والجسم والله يعطي ملكه من يشاء , والله واسع عليم .
فقال قائل منهم : ولكن ما الذي يجعلنا نصدقك أن طالوت قد اختاره الله , ولم تختره أنت.
فقال : ان علامة اختيار الله له أن يعود التابوت فيه سكينة وطمأنينة لقلوبكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون , تحمله الملائكة , ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين .
وانتظر بنو اسرائيل , فاذا بالتابوت قد جاءت به الملائكة تحمله .
فرأى بنو اسرائيل التابوت , فاطمأنت قلوبهم , وعرفوا أن طالوت هو ملكهم الجديد , فهتفوا :
عاش الملك طالوت , عاش الملك طالوت .
عاد التابوت الى بني اسرائيل , فجعلوه أمامهم في كل معاركهم ضد (العماليق) فانتصروا وقادهم (طالوت) من نصر الى نصر .
وكان شمويل يبلغ أمر الله الى طالوت بالحرب , أو بالعدل بين الناس , وظل طالوت مطيعا لأمر شمويل نبي الله .
زكانت شريعة الله الى بني اسرائيل أنهم اذا انتصروا وضعوا الغنائم حتى تنزل نار بيضاء من السناء تأكل هذه الغنائم , فاذا غضب الله ظلت الغنائم كما هي .
وأمر الله شمويل ان يذهب الى طالوت , فذهب اليه وقال له : ان الله يأمرك أن تذهب الى العماليق وتحاربهم , وانك ستنتصر عليهم , فاذا انتصرت فاحرق ديارهم , واذبح كل الرجال ولا تدع بقرة ولا جمل الا ذبحته .
وكان(طالوت) يعلم أنه صار ملكا بأمر الله فلابد من طاعته .
وخرج جيش بني اسرائيل حتى وصل الى مدينة العماليق .
ودارت الحرب , فانتصر اليهود هذه المرة على العماليق حتى أسروا ملكهك (أجاج) , وكانت الأبقار والجمال ، والخراف تملأ مدن العماليق فاختار جيش بني اسرائيل الحيوانات الضعيفة فقتلوها .
أما الحيوانات السمينة فلم يذبحوها , وأخذوها الى ديارهم , وأسروا الملك (أجاج) فلم يقتلوه .
وعاد جيش بني اسرائيل ومعه الملك (طالوت) فدخل على شمويل , فقام شمويل غاضبا وقال : لماذا لم تنفذ أمر الله , انني أرى ابلا, وخيلا , وخرافا ؟
فقال طالوت : اننا سوف نذبحها في المعبد .
لكن طاعة الله أفضل من أن تذبح الحيوانات في المعبد .
فقال طالوت : انني أتوب الى الله .
فقال شمويل : واقتل أجاج ملكهم يا طالوت , ثم اعتدل شمويل فقال لطالوت : انك صرت عاصيا لله , لقد كنت سفاءاً متواضعا حتى اختارك الله ملكا فاصبحت مغرورا وعصيت أمر الله , ثم أراد الانصراف فأمسك طالوت بثوبه فتمزق .
فقال شمويل : مزق الله ملكك كما مزقت ثيابي .
فقال طالوت وهو يتوسل الى شمويل الله عليك ساعدني على التوبة ليغفر الله لي , وادعه أن يقبل توبتي وندمي على ما فعلت , ثم بكى طالوت .
فعاد شمويل فسجد لله مع طالوت ودعا لله له ليغفر لطالوت ذنبه .
ولكن طالوت ظل حزينا لأجل الدعاء الذي دعاه شمويل من قبل (مزق الله حكمك)
فذهب طالوت الى قصره فدحل عليه أحد الوزراء فرآه حزين فقال له لماذا أنت حزين يا مولاي فذكر له السبب وقال افعلوا أي شيء لتسعدوا مولاكم فقال الوزير : أنا أعرف غلام حسن الصوت اذا قرأ التوراة سكت كل شيء حوله فقال طالوت أحضروا هذا الغلام